[size=21]إن القصص القرآني بوصفه أعظم المصادر وأوثقها في أيدي العرب
لمنهج متميز في قص القصص باللغة العربية ، تكفي للكشف عن الفارق الهائل بين القصص القرآني وقصص الشعوب واللغات الأخرى من الأساطير والروايات والمسرحيات
بلغ هذا الفارق حد مابين الجد والهزل وما بين الحق والكذب (1) ، فالفارق شاسع وفي جميع المجالات و المقاصد والأغراض
ويتضح أن الغاية أن يكون ذلك القصص نفسه هادياً للمؤمنين إلى الطريق
الصحيح ، والصراط المستقيم . فالله تعالى يقول:﴿
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنآ إِلَيْكَ
هَذَا الْقُرْءانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ (2) ، سورة يوسف
ثم
يقص الله تعالى قصة يوسف وأخوته ؛ فالقصص الحسن هنا ليس الرواية المتخيلة
من الواقع وليست الرواية المصنوعة بمحاكات الواقع ، إنما هي التاريخ
والخبر وحقيقة ما كان ،
إنه مشاهد التاريخ
في حركةٍ وصورٍ وأصواتٍ ، ونجد أن البطل الحقيقي في القصص القرآني ليس هذا
الإنسان بذاته الذي تدور به أو من حوله أحداث الخبر ؛ فالبطل هو القانون
التاريخي المرتبط بعقيدة الإنسان وأخلاقه وسلوكه ، والبطل هو هذا القانون
الذي تظهر نتائجه في أقوال وأفعال الإنسان المؤمن أو الكافر في الجماعة
التي يعبر عنها أو التي يعارضها ؛ فالبطل مثلاً ليس يعقوب عليه السلام وأولاده ، إنما هو "الهداية" في يعقوب عليه السلام و" الحسد " في أولاده ،
والبطل أيضاً ليس يوسف عليه السلام وامرأة العزيز ؛ بل هو " الطهارة والأمانة " في يوسف عليه السلام، و"الشهوة" في امرأة العزيز،
وهكذا في مختلف المواقف يكون الإنسان
بهداية الإيمان أو بضلالة الكفر رمزاً لقانون يحكم
،وعلى ما مضى يتضح
أن الإنسان في قصص القرآن لم يكن شيئاً مذكوراً من أجل استعراض آلاف
الاحتمالات المتخيلة لقوته أو لضعفه ؛ بل هو إنسان مذكور داخل جماعته يحمل
قيماً ومبادئ ، ونرى أن الأسوة لغيره ، وهو القدوة لمن يقتدي به ؛ لأنه
أعطى قانون البرهان العقلي (1) .
[/size]